فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن المقصود من ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حصول العبرة لمن يسمعها، فكأنه تعالى لما ذكر قصة آدم وبين فيهاشدة عداوة الشيطان لآدم وأولاده أتبعها بأن حذر أولاد آدم من قبول وسوسة الشيطان فقال: {يَذَّكَّرُونَ يا بنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} وذلك لأن الشيطان لما بلغ أثر كيده ولطف وسوسته وشدة اهتمامه إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزلة الموجبة لإخراجه من الجنة فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حق بني آدم أولى.
فبهذا الطريق حذر تعالى بني آدم بالاحتراز عن وسوسة الشيطان فقال: {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان} فيترتب عليه أن لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم، فترتب عليه خروجهما منها وأصل الفتون عرض الذهب على النار وتخليصه من الغش.
ثم أتى في القرآن بمعنى المحنة وهاهنا بحثان:
البحث الأول: قال الكعبي: هذه الآية حجة على من نسب خروج آدم وحواء وسائر وجوه المعاصي إلى الشيطان وذلك يدل على أنه تعالى بريء منها.
فيقال له لم قلتم أن كون هذا العمل منسوبًا إلى الشيطان يمنع من كونه منسوبًا إلى الله تعالى؟ ولم لا يجوز أن يقال إنه تعالى لما خلق القدرة والداعية الموجبتين لذلك العمل، كان منسوبًا إلى الله تعالى؟ ولما أجرى عادته بأنه يخلق تلك الداعية بعد تزيين الشيطان، وتحسينه تلك الأعمال عند ذلك الكافر، كان منسوبًا إلى الشيطان.
البحث الثاني: ظاهر الآية يدل على أنه تعالى إنما أخرج آدم وحواء من الجنة، عقوبة لهما على تلك الزلة، وظاهر قوله: {إِنّى جاعل في الأرض خَلِيفَةً} [البقرة: 30] يدل على أنه تعالى خلقهما لخلافة الأرض وأنزلهما من الجنة إلى الأرض لهذا المقصود.
فكيف الجمع بين الوجهين؟
وجواب: أنه ربما قيل حصل لمجموع الأمري، والله أعلم.
ثم قال: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا} وفيه مباحث:
البحث الأول: {الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} حال، أي أخرجهما نازعًا لباسهما وأضاف نزع اللباس إلى الشيطان وإن لم يتول ذلك لأن كان بسبب منه، فأسند إليه كما تقول أنت فعلت هذا؟ لمن حصل منه ذلك الفعل بسبب.
وإن لم يباشره، وكذلك لما كان نزع لباسهما بوسوسة الشيطان وغروره أسند إليه.
البحث الثاني: اللام في قوله: {لِيُرِيَهُمَا} لام العاقبة كما ذكرنا في قوله: {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} [الأعراف: 20] قال ابن عباس رضي الله عنهما: يرى آدم سوأة حواء وترى حواء سوأة آدم.
البحث الثالث: اختلفوا في اللباس الذي نزع منهما فقال بعضهم إنه النور، وبعضهم التقى، وبعضهم اللباس الذي هو ثياب الجنة وهذا القول أقرب لأن إطلاق اللباس يقتضيه والمقصود من هذا الكلام، تأكيد التحذير لبني آدم، لأنه لما بلغ تأثير وسوسة الشيطان في حق آدم مع جلالة قدره إلى هذا الحد فكيف يكون حال آحاد الخلق؟ ثم أكد تعالى هذا التحذير بقوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ} يعني إبليس {هُوَ وَقَبِيلُهُ} أعاد الكناية ليحسن العطف كقوله: {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [الأعراف: 19].
البحث الثاني: قال أبو عبيدة عن أبي زيد: القبيل الجماعة يكونون من الثلاثة فصاعدًا من قوم شتي، وجمعه قبل.
والقبيلة: بنو أب واحد.
وقال ابن قتيبة، قبيله أصحابه وجنده، وقال الليث: {هُوَ وَقَبِيلُهُ} أي هو ومن كان من نسله.
البحث الثالث: قال أصحابنا: إنهم يرون الأنس لأنه تعالى خلق في عيونهم إدراكًا والإنس لا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق هذا الإدراك في عيون الإنس، وقالت المعتزلة: الوجه في أن الإنس لا يرون الجن، رقة أجسام الجن ولطافتها.
والوجه في رؤية الجن للإنس، كثافة أجسام الإنس، والوجه في أن يرى بعض الجن بعضًا، أن الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجن ويزيد فيه، ولو زاد الله في قوة أبصارنا لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضًا، ولو أنه تعالى كثف أجسامهم وبقيت أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم، فعلى هذا كون الإنس مبصرًا للجن موقوف عند المعتزلة إما على زيادة كثافة أجسام الجن، أو على زيادة قوة أبصار الإنس.
البحث الرابع: قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} يدل على أن الإنس لا يرون الجن لأن قوله: {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص، قال بعض العلماء ولو قدر الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤا وأرادوا، لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس، فلعل هذا الذي أشاهده وأحكم عليه بأنه ولدي أو زوجتي جنى صور نفسه بصورة ولدي أو زوجتي وعلى هذا التقدير فيرتفع الوثوق عن معرفة الأشخاص، وأيضًا فلو كانوا قادرين على تخبيط الناس وإزالة العقل عنهم مع أنه تعالى بين العداوة الشديدة بينهم وبين الإنس، فلم لا يفعلون ذلك في حق أكثر البشر؟ وفي حق العلماء والأفاضل والزهاد، لأن هذه العداوة بينهم وبين العلماء والزهاد أكثر وأقوى، ولما لم يوجد شيء من ذلك ثبت أنه لا قدرة لهم على البشر بوجه من الوجوه.
ويتأكد هذا بقوله: {مَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} [إبراهيم: 22] قال مجاهد: قال إبليس اعطينا أربع خصال: نرى ولا نرى، ونخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا فتى.
ثم قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} فقد احتج أصحابنا بهذا النص على أنه تعالى هو الذي سلط الشيطان الرجيم عليهم حتى أضلهم وأغواهم، قال الزجاج: ويتأكد هذا النص بقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} [مريم: 83] قال القاضي: معنى قوله: {جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} هو أنا حكمنا بأن الشيطان ولي لمن لا يؤمن، قال ومعنى قوله: {أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} هو أنا خلينا بينهم وبينهم، كما يقال فيمن يربط الكلب في داره ولا يمنعه من التوثب على الداخل؛ إنه أرسل عليه كلبه.
والجواب: أن القائل إذا قال: إن فلانًا جعل هذا الثوب أبيض أو أسود، لم يفهم منه أنه حكم به، بل يفهم منه أنه حصل السواد أو البياض فيه، فكذلك هاهنا وجب حمل الجعل على التأثير والتحصيل، لا على مجرد الحكم، وأيضًا فهب أنه تعالى حكم بذلك، لكن مخالفة حكم الله تعالى توجب كونه كاذبًا وهو محال، فالمفضي إلى المحال محال، فكون العبد قادرًا على خلاف ذلك، وجب أن يكون محالًا.
وأما قوله أن قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين} أي خلينا بينهم وبين الكافرين فهو ضعيف أيضًا، ألا ترى أن أهل السوق يؤذي بعضهم بعضًا، ويشتم بعضهم بعضًا، ثم إن زيدًا وعمرًا إذا لم يمنع بعضهم عن البعض.
لا يقال أنه أرسل بعضهم على البعض، بل لفظ الإرسال إنما يصدق إذا كان تسليط بعضهم على البعض بسبب من جهته، فكذا هاهنا.والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {يا بنى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان}
يقول: لا يضلّنّكم الشيطان عن طاعتي فيمنعكم من الجنة {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ الجنة} حين تركا طاعتي وعصيا أمري {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا} يعني: لا يفتنّنكم الشيطان عن دينكم في أمر الثياب فينزعها عنكم، فتبدو عوراتكم، كما فعل بأبويكم، نزع عنهما لباسهما وأظهر عورتهما.
وقال بعض الحكماء: إنّ المعصية شؤم تضر بصاحبها فتجعله عريانًا كما فعلت بآدم {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} يعني: كونوا بالحذار منه، فإنه يراكم هو أي إبليس وجنوده من الشياطين من حيث لا ترونهم.
يعني: كونوا على حذر لأنه يجري من بني آدم مجرى الدم وذكر أن إبليس لما لعن قال رب: إنّك باعث إلى بني آدم رسلًا وكتبًا، فما رسلي؟ قال: الكهنة.
قال: فما كتابي؟ قال: الوشم.
قال: فما قراءتي قال: الشعر قال: فما مسجدي؟ قال: السوق.
قال: فما مؤذني؟ قال: المزامير.
قال: فما بيتي؟ قال: الحمام.
قال: فما مصائدي؟ قال النساء.
قال: فما طعامي؟ قال: كل ما لم يذكر اسم الله عليه.
قال: فما شرابي؟ قال: كل سكر.
قوله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاء} يعني: قرناء {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} أي لا يصدقون بالآخرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا بني ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان}
لا يعلّمنّكم ولا يستزلّنكم فتبدي برأيكم للناس في الطواف بطاعتكم. {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الجنة يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} {إِنَّهُ} يعني الشيطان {يَرَاكُمْ} يابني آدم {هُوَ وَقَبِيلُهُ} خيله وجنوده وهم الجن والشياطين.
قال ابن زيد: نسله {مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربعًا: نرى ولا يُرى ونخرج من تحت الثرى. ويعود شيخنا فتى.
قال مالك بن دينار: إن عدوًا [يراك] ولا تراه لشديد [المؤنة] إلاّ مَنْ عصم الله.
وسمعت أبا القاسم [الحبيبي] قال: سمعت أبي قال: سمعت عليّ بن محمد الورّاق يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول: الشيطان قديم وأنت حديث والشيطان ليّن وأنت ناعم الناحية والشيطان يراك وأنت لا تراه والشيطان لا ينساك وأنت لا تزال تنساه ومن نفسك له عون وليس لك منه عون.
وقيل: صدر ابن آدم مسكن له ويجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنه لا يقاومه إلاّ بعون الله. ومنه يقول: ولا أراه من حيث يراني. وعندما أنساه لا ينساني فسيدي إن لم [تغث] يسبيني كما سبا آدم من جنانك.
قال ذو النون المصري: إن كان هو يراك من حيث لا تراه فإنّ الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فإنّ كيد الشيطان كان ضعيفًا.
{إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاءَ} أعوانًا وقرناء {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا بَنِي ءَادَمَ لاَ يَفتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}
وهذا خطاب توجه إلى من كان من العرب يطوف بالبيت عريانًا، فقيل لهم لا يفتننكم الشيطان بغروره كما فتن أبويكم من قبل حتى أخرجهما من الجنة، ليكون إِشعارهم بذلك أبلغ في الزجر من مجرد النهي.
{ينزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن لباسهما كان أظفارًا تستر البدن فنزعت عنهما وتركت زينة وتبصرة، قاله ابن عباس.
الثاني: أن لباسهما كان نورًا، قاله وهب بن منبه.
والثالث: أن نزع عنهما لباسهما من تقوى الله وطاعته، قاله مجاهد. {لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} فيه قولان:
أحدهما: أجسادهما من العورة حين خرجا من لباسهما، وهو مقتضى قول ابن عباس.
والثاني: سوأة معصيتهما حتى خرجا من تقوى الله وطاعته، وهو معنى قول مجاهد.
{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنَ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: قومه، وهو قول الجمهور.
والثاني: جيلُهُ، قاله السدي.
{مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: من حيث لا تبصرون أجسادهم.
والثاني: من حيث لا تعلمون مكرهم وفتنتهم. اهـ.